سورة الشورى - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشورى)


        


قوله تعالى: {فلذلك فادْعُ} قال الفراء: المعنى: فالى ذلك، تقول: دعوتُ إلى فلان، ودعوت لفلان، وذلك بمعنى هذا؛ وللمفسرين قولان:
أحدهما: أنه القرآن، قاله ابن السائب.
والثاني: أنه التوحيد، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {ولا تَتَّبِعْ أهواءَهم} يعني: أهل الكتاب، لأنهم دعَوه إلى دينهم.
قوله تعالى: {وأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بينَكم} قال بعض النحويِّين المعنى: أًمِرْتُ كي أَعْدِلَ. وقال غيره المعنى: أُمِرْتُ بالعَدْل. وتقع {أُمِرْتُ} على أن، وعلى كي وعلى اللام يقال أُمِرْتُ أن أعدل، وكي أعدل، ولأعدل.
ثم في ما أُمِرَ أن يَعْدِلَ فيه قولان:
أحدهما: في الأحكام إذا ترافعوا إليه.
والثاني: في تبليغ الرسالة.
قوله تعالى: {اللهُ ربُّنا وربُّكم} أي: هو آلهنا وإن اختلفنا، فهو يجازينا بأعمالنا، فذلك قوله: {لنا أعمالُنا} أي: جزاؤها.
{لا حُجَّةَ بينَنا وبينكم} قال مجاهد: لا خصومة بينَنا وبينَكم.
فصل:
وفي هذه الآية قولان:
أحدهما: أنها اقتضت الاقتصار على الإنذار، وذلك قبل القتال، ثم نزلت آية السيف فنسختْها، قاله الأكثرون.
والثاني: أن معناها: إن الكلام بعد ظُهور الحُجج والبراهين قد سقط بيننا، فعلى هذا هي مُحْكَمة، حكاه شيخنا عليّ بن عبيد الله عن طائفة من المفسرين.
قوله تعالى: {والذين يُحاجُّونَ في الله} أي: يُخاصِمون في دِينه. قال قتادة: هم اليهود، قالوا كتابُنا: قَبْلَ كتابكم، ونبيُّنا قبل نبيِّكم، فنحن خيرٌ منكم. وعلى قول مجاهد: هم المشركون، طمعوا أن تعود الجاهلية.
قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ ما استُجيب له} أي: من بعد إجابة الناس إلى الإسلام {حُجَّتُهم داحضة} أي: خصومتهم باطلة.


قوله تعالى: {اللهُ الذي أنزل الكتابَ} يعني القرآن {بالحق} أي: لم ينزله لغير شيء {والميزانَ} فيه قولان:
أحدهما: أنه العدل، قاله ابن عباس، وقتادة، والجمهور.
والثاني: أنه الذي يوزَن به، حكي عن مجاهد. ومعنى إِنزاله: إلهامُ الخَلْق أن يَعملوا به، وأمرُ الله عز وجل إيّاهم بالإِنصاف. وسمِّي العَدْلُ ميزاناً، لأن الميزان آلة الإِنصاف والتسوية بين الخَلْق. وتمام الآية مشروح في [الأحزاب: 63].
قوله تعالى: {يستعجل بها الذين لا يؤمِنون بها} لأنهم لا يخافون ما فيها، إذْ لم يؤمنوا بكونها، فهم يطلبُون قيامها استبعاداً واستهزاءً {والذين آمنوا مشفِقون} أي: خائفون {منها} لأنهم يعلمون أنهم مُحاسَبون ومَجزيُّون، ولا يدرون ما يكون منهم {ويَعلمون أنَّها الحَقُّ} أي: أنها كائنة لا مَحالة {ألا إِنَّ الذين يُمارونَ في السّاعة} أي: يخاصِمون في كونها {لفي ضلال بعيدٍ} حين لم يتفكَّروا، فيَعلموا قدرة الله على إقامتها.
{اللهُ لطيفٌ بعباده} قد شرحنا معنى اسمه اللطيف في [الأنعام: 103] وفي عباده هاهنا قولان:
أحدهما: أنهم المؤمنون.
والثاني: أنه عامّ في الكُلّ ولطفُه بالفاجر: أنه لا يُهلِكه.
{يرزُق من يشاء} أي: يوسِّع له الرِّزق.
قوله تعالى: {من كان يريد حَرْثَ الآخرة} قال ابن قتيبة: أي: عَمَلَ الآخرة، يقال: فلانُ يحرُث الدُّنيا، أي: يعمل لها ويجمع المال؛ فالمعنى: من أراد بعمله الآخرة {نَزِدْ له في حَرْثه} أي: نُضاعِف له الحسنات.
قال المفسرون: من أراد العمل لله بما يُرضيه، أعانه الله على عبادته، ومن أراد الدُّنيا مُؤْثِرا لها على الآخرة لأنه غير مؤمن بالآخرة، يؤته منها، وهو الذي قسم له، {وما له في الآخرة مِنْ نصيبٍ} لأنه كافر بها لم يعمل لها.
فصل:
اتفق العلماء على أن أول هذه الآية إلى {حرثه} مُحْكَم، واختلفوا في باقيها على قولين.
أحدهما: أنه منسوخ بقوله: {عجَّلْنا له فيها ما نشاء لِمَنْ نُريد} [الإسراء: 18]، وهذا قول جماعة منهم مقاتل.
والثاني: أن الآيتين مُحكَمتان متَّفقتان في المعنى، لأنه لم يقل في هذه الآية: نؤته مُراده، فعُلِم أنه إنما يؤتيه الله ما أراد وهذا موافق لقوله: {لِمَنْ نُريد}، ويحقِّق هذا أن لفظ الآيتين لفظ الخبر ومعناهما معنى الخبر، وذلك لا يدخُله النسخ، وهذا مذهب جماعة منهم قتادة.


قوله تعالى: {أَمْ لهم شركاءُ} يعني كفار مكة؛ والمعنى ألَهُمْ آلهةٌ {شَرَعوا} أي: ابتدعوا {لهم} دِيناً لم يأذن به الله؟! {ولولا كلمة الفصل} وهي: القضاء السابق بأن الجزاء يكون في القيامة {لقُضِيَ بينهم} في الدنيا بنزول العذاب على المكذِّبين. والظالمون في هذه الآية والتي تليها: يراد بهم المشركون. والإشفاق: الخوف. والذي كَسَبوا: هو الكفر والتكذيب، {وهو واقعٌ بهم} يعني جزاؤه. وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: {ذلك} يعني: ما تقدم ذِكْره من الجنّات {الذي يُبَشِّر اللهُ عبادَه} قال أبو سليمان الدمشقي: {ذلك} بمعنى: هذا الذي أخبرتُكم به بشرى يبشِّر اللهُ بها عباده. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: {يَبْشَرُ} بفتح الياء وسكون الباء وضم الشين.
قوله تعالى: {قُلْ لا أسألُكم عليه أجْراً} في سبب نزول هذه الآية ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المشركين كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فنزلت هذه الآية، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثاني: أنه لما قَدِم المدينةَ كانت تَنُوبه نوائبُ وليس في يده سَعَةٌ، فقال الأنصار: إن هذا الرجُل قد هداكم اللهٌ به، وليس في يده سَعَةٌ، فاجْمَعوا له من أموالكم مالا يضرُّكم، ففعلوا ثم أتَوْه به، فنزلت هذه الآية، وهذا مروي عن ابن عباس أيضا.
والثالث: أن المشركين اجتمعوا في مجمع لهم، فقال بعضهم لبعض: أتُرَون محمداً يسأل على ما يتعاطاه أجراً، فنزلت هذه الآية، قاله قتادة.
والهاء في {عليه} كناية عمّا جاء به من الهُدى.
وفي الاستثناء هاهنا قولان:
أحدهما: أنه من الجنس، فعلى هذا يكون سائلاً أجراً. وقد أشار ابن عباس في رواية الضحاك إلى هذا المعنى، ثم قال: نُسخت هذه بقوله: {قُلْ ما سألتُكم مِنْ أجر فهوُ لكم...} الآية [سبأ: 47]، وإلى هذا المعنى ذهب مقاتل.
والثاني: أنه استثناء من غير الأول، لأن الأنبياء لا يَسألون على تبليغهم أجراً؛ وإنما المعنى: لكنِّي أُذكّرُكم المَوَدَّةَ في القُرْبى، وقد روى هذا المعنى جماعة عن ابن عباس، منهم العوفي، وهذا اختيار المحقِّقين، وهو الصحيح، فلا يتوجَّه النسخ أصلاً.
وفي المراد بالقُربى خمسة أقوال.
أحدها: أن معنى الكلام: إلاّ أن تَوَدُّوني لقرابتي منكم، قاله ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد في الأكثرين. قال ابن عباس: ولم يكن بطنٌ من بطون قريش إلاّ ولرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة.
والثاني: إلاّ أن تَوَدُّوا قرابتي، قاله عليّ بن الحسين، وسعيد بن جبير، والسدي. ثم في المراد بقرابته قولان: أحدهما: عليّ وفاطمة وولدها، وقد رووه مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. والثاني: أنهم الذين تَحْرُم عليهم الصدقة ويُقْسَم فيهم الخُمُس، وهم بنو هاشم وبنو المطَّلِب.
والثالث: أن المعنى إلاّ أن تَوَدَّدوا إلى الله تعالى فيما يقرِّبكم إليه من العمل الصالح، قاله الحسن وقتادة.
والرابع: إلاّ أن تَوَدُّوني، كما تَوَدُّون قرابتَكم، قاله ابن زيد.
والخامس: إلاّ أن تَوَدُّوا قرابتَكم وتصِلوا أرحامَكم، حكاه الماوردي. والأول: أصح.
قوله تعالى: {ومَنْ يَقْتَرِفْ} أي: مَنْ يَكْتَسِبْ {حَسَنَةً نَزِدْ له فيها حُسْناً} أي: نُضاعفْها بالواحدة عشراً فصاعداً. وقرأ ابن السميفع، وابن يعمر، والجحدري: {يَزِدْ له} له بالياء {إِن الله غفورٌ} للذُّنوب {شَكورٌ} للقليل حتى يضاعفَه.
{أم يقولون} أي: بل يقول كفار مكة {افترى على الله كَذِباً} حين زعم أن القرآن من عند الله! {فإن يشِأ اللهُ يَخْتِمْ على قلبك} فيه قولان:
أحدهما: يَخْتِم على قلبك فيُنسيك القرآن، قاله قتادة.
والثاني: يَرْبِط على قلبك بالصبر على أذاهم فلا يَشُقّ عليك قولهم: إنك مفترٍ، قاله مقاتل والزجاج.
قوله تعالى: {ويَمْحُ اللهُ الباطلَ} قال الفراء: ليس بمردود على {يَخْتِمْ} فيكونَ جزماً، وإنما هو مستأنَف، ومثله ممّا حُذفتْ منه الواو {ويَدْعُ الإِنسانُ بالشِّرِّ} [الإسراء: 11] وقال الكسائي: فيه تقديم وتأخير. تقديره: والله يمحو الباطل. وقال الزجاج: الوقف عليها {ويمحوا} بواو وألف؛ والمعنى: واللهُ يمحو الباطل على كل حالٍ، غير أنها كُتبتْ في المصاحف بغير واو، لأن الواو تسقط في اللفظ لالتقاء الساكنين، فكُتبتْ على الوصل، ولفظ الواو ثابت؛ والمعنى: ويمحو اللهُ الشِّرك ويُحِقُّ الحق بما أنزله من كتابه على لسان نبيِّه صلى الله عليه وسلم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5